حوار مع العقل الباطن
الزمان...في جوف الليل والناس نيام...والمكان...في رؤية أو منام...أو حلم من الأحلام...كان لقائنا معه...مثيراً ومدهشاً...وعجيباً ومفزعاً ، ظهر لنا فجأة من وراء حجب وأستار...بعد أن وقفنا ونادينا وطال الإنتظار...لم نراه بشكله ولكنه كان كظل أو خيال...يحفه غموض وإبهام وأحياناً إستكبار...لم يألف الحديث المباشر والظهور...ولذا كان في كلماته إنفعال...إيه يخشی الكتابة عنه ولا يحب الإنتشار...فهو يحب الظلام ويكره الضوء والنهار...إنه في الخفاء قوی مسيطر ، وفي البيان بتجمد كأنه تمثال...
وقفنا أمامه برهبة وتخوف وبيننا أمتار...وألقينا عليه السلام ثم دار بيننا هذا الحوار:
الكاتب:
أتسمح لنا بحديث معك أيها العقل الباطن؟
العقل الباطن:
لا مانع...ولكن أُترك مسافة بيني وبينك ولا تقترب أكثر..ولا تُحاول أن تبدد الظلمة التي حولي...وإلا فسأُنهی اللقاء فوراً...هل هذا واضح؟
الكاتب:
واضح تماماً...ولكنا نحاول أن نعرف عنك أكثر...دون أن نبدد ظلامك أو نقطع عليك إختفاءك...فهل تعدنا بالصراحة؟
العقل الباطن:
الصراحة وضوح..والوضوح بيان..والبيان رؤية..وكل هذه أجواء لا تلائمني ، ولكن علی الرغم من هذا أعدك بإعتبارها أول وأخر مرة...بعد أن ألححت في لقائي...ووقفت كثيراً علی بابي...تريد أن تعرف أسراري.
الكاتب:
شكراً جزيلا ً لك...والأن أحب أن أسئلك عن مكانك بالضبط في الجسد؟ وهل لك أسماء أخری تُعرف بها؟
العقل الباطن:
مكاني التشريحي بين خلايا المخ والأعصاب...والتحديد هو سر من أسرار الله ليس لي أن أبوح به...ومكاني الوظيفي في كل مكان من الجسد والنفس والروح...أما أسمائي الأخری...فأحيانا أُسمی الفؤاد ، أو الضمير ، وأحياناً النفس وأحياناً اللاشعور وأحياناً يخلط إسمي بالقلب وتخلط وظيفتي معه ، ولذا فالأمر فيه كثيراً من اللبس في المسميات.
الكاتب:
هل لك أن تحدثنا عن طبيعة عملك في داخل الإنسان؟
العقل الباطن:
أنا المُحرك الحقيقي من وراء الستار...أنا الصانع المُصمم للأقوال والأفعال...أنا معي الحقيقة التي لا يُراد لها أن تظهر...أنا محور الإنفعالات دون أن تشعر...معی سر ما بداخلك...وأنا كاتم أسرار خزائنك...معی تستطيع أن تفكر بحريتك...وتُطلق لنفسك العنان علی سجيتك...ثم أختار أنا من كل هذا ما يلائمك لك...فأقبل أو أرفض أو أنصحك...ثم من واقع ذلك أصدر إليك أوامرك...فأفرحك أو أغضبك...وأسعدك أو أحزنك...وأشغلك أو أهدئك...وأُظهر كل هذا علی وجهك ولسانك...وفي أقوالك وأفعالك...وإذا غفوت وأظهرته لك في منامك...إنني أملك عليك ذاتك...وكيانك وإنفعالك...
الكاتب:
وما هو الفرق بينك وبين العقل الظاهر...وكيف يكون العقل عقلين والذات إثنتين...والنفس نفسين؟
العقل الباطن:
العقل الظاهر محكوم بالإدراك ، وما يصح وما لا يصح ، وما يليق وما لا يليق ، وما هو حلال أو حرام ، وما هو مقبول أو غير مقبول ، وما هو منطقي أو غير منطقي...وهو يعمل في النور وتحت الأضواء ، ولذا فهو المسئول أمام الله وأمام نفسك وأمام الناس...فلا تستطيع أن تناقش معه أي شئ أو تعرض عليه أي موضوع...أو تجوب معه أي وادي ...فهناك الكثير من القيود...ولذا فسلطته الحقيقية علی مشاعرك وأحساسيسك وجسدك وقسمات وجهك وألفاظك محدودة...تماماً كالملك بلا سلطان أو الرئيس بلا صلاحيات...فهو موجود للمظاهر والشكليات والمواقف الرسمية والبروتوكولات...وهو كالمسئول عن التشريفات وينال التقديرات أو التوبيخات فهو كملوك أوربا الأن أو رؤساء الهند ، يُحتفل بهم ويُنظر لهم...وهم ملأ الأسماع والأبصار ولكن بدون سلطات حقيقية ، وحاله كزوج وزوجه...بالإسم زوجها وهی تحب غيره ، في الصورة معها وبالإسم له ، يُظن أنه مَلِكَها والسلطة الحقيقية عليها لنده...تتزين له وتخرج معه...وتأكل معه وتبيت عنده...وإذا سئلت عن زوجها ذكرت إسمه...ففي الرسميات والشكليات وأمام الناس هو سيدها...ووفائها وإخلاصها له وحده...وفي الحقيقة لا يملك منها إلا كما يملك جسد من الأرض بعد موته...أما أنا فصاحب السلطة الحقيقية المسيطرة والمهيمنة والتي تحرك اللسان والعضلات والأعصاب والمشاعر فأنا السلطة التنفيذية وإن كنت في الظلام...وهو السلطة الشكلية وإن كان في النور...فإن فهمت ما قلت عرفت كيف أن الإنسان إنسانين والشخص شخصين...إحداهما في النور والأخر في الظلام ، الأول له الشكل والمظهر والأضواء والقيود والمراسم والثاني له المضمون والجوهر والدافع والمخبر وهو للإنفعال المصدر...
الكاتب:
أعتقد أنني فهمت بعض الشئ ولكن أحتاج لأن أراجع كلامك وحدي وأتأمله عن قرب لأفهم أكثر وشكراً لتوضيحك. ولكن هل يعرف هو بوجودك؟ وكيف يتم تنظيم العلاقة بينكما وما هو شكل هذه العلاقة...
العقل الباطن:
إن هذا يعتمد علی الإنسان نفسه...وفي الغالب يعرف العقل الظاهر بوجودي ويعترف به...وأحياناً يعرف ولكن يُنكرني...وأحياناً لا يكاد يعرف أو يری...وعلاقتي به أيضاً تعتمد علی نوعية الإنسان نفسه...فأحياناً نكون علی وفاق وإتحاد وتفاهم وأحياناً نكون علی خلاف وتصارع وتضارب...وفي الغالب تنفق أحياناً ونختلف أحياناً حسب طبيعة الموضوع أو الفكرة أو الشهوة...ومرات يدور بيننا حوارات كالتالي تجريها...ونختلف أو نتفق ونتاعارك أو نتشارك أو نكون في لا سلم ولا حرب ولكن دائماً علاقتنا يشوبها التوتر والإضطراب...
الكاتب:
وماذا يحدث إذا إختلفتم وأصر كل منكم علی موقفه؟
العقل الباطن:
يمارس كل منا عمله ودوره مع إختلافنا...وهنا يبدأ ما تُسمونه بالنفاق وهو أن يكون عقلك الظاهر بخلاف مع هو عليه أنا...ولكن كما ذكرت السلطة الحقيقية علی المشاعر والإنفعالات والأفعال هی لي ولما أريد وما أحب وأری...
الكاتب:
وهل صحيح أنك مركز عمل الشيطان وسوسته...والشهوات وأمراض القلوب وما إلی ذلك؟!
العقل الباطن:
إنني أعمل في الظلام...وعندي حرية كبيرة وليس عندي قيود من أي نوع كما علمت ، وعندي السلطة الحقيقية علی الإنسان...فلا عجب إذن أن يكون عندي مراكز عمل وإتصالات للشيطان والشهوات...أما أمراض القلوب فمصدرها القلب وأنا أعكسها أو أنا إنعكاس لها...وبدوني لا تستطيع أمراض القلوب من حقد وغلّ وحسد ألخ.....أن تظهر علی إنفعالاتك وأفعالك وأقوالك وأحلامك وهاكذا...
الكاتب:
ومن أين تستمد تكوينك أو غذائك؟ وما يحدد قرارك وقدراتك؟
العقل الباطن:
من الإنسان نفسه بالطبع...ونشأته وتربيته...وعاداته وما يُلقَنهُ في الصغر ، ومن تعليمه وخبراته وقراءاته وإحتكاكاته ، ومما يسمعه وما يُحكی له ، ومن درجة الحكمة والذكاء الذي منحه الله له ، ومن طبيعة نفسه وروحه ، ومن درجة إيمانة ، ومن عباداته وإخلاصه فيها ، ومن درجة قربه من ربه...كل هذا يحدد إجابه سؤالك.
الكاتب:
هل هناك علاقة بينك وبين بعض الأمراض كما يقولون؟
العقل الباطن:
بالطبع وأكثر كثيراً مما يقولون أو يتصورون...فالكثير جداً من الأمراض البسيطة والمركبة والمعقدة هی من نتاج أدائي لوظيفتي ، ومن نتاج صراعي أحياناً مع العقل الظاهر...وكما ذكرت لك فأنا أُسيطر علی الإنفعالات والمشاعر والأعصاب...والأعصاب هذه يا سيدي تسيطر علی كل أعضاء جسدك وعلی أداء هذه الأعضاء لوظائفها ، ولذا فالعلاقة مباشرة ، ولا عجب إذن أن أكون المسبب الأول للصداع المزمن والأرق وسوء الهضم وألم البطن والأمعاء والإسهال والإمساك وألم المفاصل والعضلات وألام الأطراف وإلتهابات الأعصاب ، وأمراض القلب وسرعة ضرباته ، وضيق الصدر وشدة نهاجه ، والأمراض النفسية وأحياناً الجلدية...والسيطرة والتحكم في الأعضاء والتناسلية والبولية ، والإستمتاع في كافة صوره ، وحتی الأمراض الوهمية...وأحياناً أُأثر علی سرعة الشفاء وعلی حدوثه من عدمه...وأحياناً إذا أحتدم الصراع بيني وبين العقل الظاهر..قد يلجأ الإنسان للتفكير في أي طريقة للتخلص من حياته ، ومن الصراع والألم الذي نسببه له والذي لا يستطيع أن يبوح به أو يذكره.
الكاتب:
ومتی يتم التوافق التام بينك وبين العقل الظاهر؟
العقل الباطن:
يتم هذا عندما يكون الإنسان شهوائياً متحرراً ضعيف الفكر والتفكر ، قليل الحكمة والروية ، سهل الإنقياد ضعيف العقل...وهنا نتحد أو لنقل يستسلم العقل الظاهر لسلطتي الكاملة ويندمج معی وأصبح أنا الظاهر والباطن معاً...ومثل هذا الإنسان يعيش بلا صراع قليل الأمراض ، هادئ البال...كالحيوان يسير وراء كل شهواته وما أمره به...ولا يستحي من شئ.
الكاتب:
ومتی يحدث العكس وتستسلم للعقل الظاهر؟
العقل الباطن:
يحدث هذا إذا آمن الإنسان حق الإيمان وأسلم لربه وإقترب منه ، وهنا تُشرق في نفسه وروحه الأنوار التي تؤدي لإضعافي لأنني أحب الظلمة...ورويداً رويداً أُسلم قيادي وأستسلم للعقل الظاهر الذي يقوی بالحكمة وبما يراه ويعلمه عن ربه وخالقه ودينه ، وأُسلّم كل سلطاتي له وأُصبح ضعيفاً مزوياً في الظلام بلا حول ولا قوة...ولكني قد أسترد قوتي وسلطتي إذا إبتعد الإنسان عن ربه وغيّر مساره...ومثل هذا المؤمن الذي يُخضعني لعقله ويقلص سلطاتي عليه ويقاومني ، هو إنسان سعيد يعيش أيضاً بلا صراع أو أمراض أو هموم...هادئ البال ولكن في أعلی مراتب الإنسانية التي أرادها خالقكم لكم.
الكاتب:
وفي غير هاذين الحالين؟!!
العقل الباطن:
الصراع دائم...والتناوش محتدم...والتنافس علی أشده...له السيطرة علی الظاهر ، ولي السلطة علی الداخل والأقوال والأفعال والمشاعر...أقوی فأقهره أحياناً...ويقوی فيخضعني أحياناً...وكل منا يقوم بمهمته ويؤدي دوره وهو صراع لا تشعر به ، ولكن تشعر بأثاره ، في إكتئاب وهموم وفكر وأمراض وألم ، لا تدري لها سبباً ، ولا تعرف لها مصدراً ، وهی من نتاج صراعنا وتناحرنا...
الكاتب:
هل تستطيع أن تعطينا أمثلة؟
العقل الباطن:
هل رأيت يوماً ، رجلا ً يقبل وظيفة ، أو يأخذ موقفاً ، بناء علی إختيار عقله الظاهري ، بدافع من ظروف أو أمر قاهري ، ثم يناقش الأمر معي ويبدي رفضه وإمتعاضه من الوظيفة أو الموقف ، وهو كان يريد شيئاً أخر ، وأتبنی أنا الأمر وأخذ موقفي ، ثم أتصارع مع العقل الظاهري ، فتجد الرجل يغضب لأتفه سبب ، ويفتعل العراك في العمل بسبب وبدون سبب ، ويُصاب بالأرق ورعشة اليد ، وألم الرأس المزمن ونحول في البدن ، ثم يُقبل علی التدخين بعصبية ويدون ملّل ، وإذا حدثته ، ظهر في كلامه الغضب علی وظيفته او موقفه الذي سبق أن أخذه وهاكذا وهاكذا...وهل رأيت يوماً زوجة ً تزوجت زوجاً وكانت تبغي غيره زوجاً ، ولا تستطيع أن تناقش الأمر علانية فتلجأ إليّ لنهيم في دنيا المحبوب معاً ، ونضرب له في كل يوم موعداً ، وتبوح لي بسرها وأوافقها وأتخذ موقفاً ، ويبدأ صراعي مع العقل الظاهري الذي يتمسك بقيّم ومُثّل وزن لها عندي ، ومن الصراع بيننا تری المسكينة تعاني الأمريّن ، يظهر في عينيها وتصر علی الصمت ، تغضب لأتفه سبب ، وتصرخ بلا سبب ، وأريها المحبوب في منامها ، وأريها زوجها وكأنه ذئب ، وأضخم لها عيوبه فتراها وكأنها جبل ، وتری لها عبوساً في غير موضعه ويأساً من الحياة وملل ، وأُحيل حياتها جحيماً ، وأُهيل عليها ذكری حبيب القلب ، حتی أملاء حياتها وكيانها ندماً ، وإذا تكلمت أظهرت في حديثها نقمة وغضب علی الزوج ، وشغفا وحباً لفارس الأحلام واللب ، وبين هذا وهذا تمرض وهی لا تكاد تعرف السبب ، وأنا وراء كل ذلك من مقبعي في عالم الظُلَمِ.
الكاتب:
ولكن هل أنت شر دائماً كما تحاول أن تصور نفسك؟
العقل الباطن:
لا...لا يا سيدي لا تُسيء فهمي...فأحياناً أكون الداعي إلی الخير ، أو المتمرد علی موقف غير موفق...وأحياناً أكون الثورة علی زوج غير صالح أو حاكم ظالم أو موقف غير عادل وأطالب بالتغير إلی الأفضل...وأحياناً أكون رافضاً لموقف مصلحي ، أتخذه العقل الظاهري لا يتسم بالإنصاف أو العدل...وفي هذه الحالة أُسمی النفس اللوامة...التي أقسم الله بها...لأهميتها وعظم قدرها...وهنا أُريَ الظالم في منامه جريمته ، وأُأرقه بها نهاراً وفي الليل ، وأجسّدها له أمام عينه ، وأتصارع مع العقل...حتی أُحيل حياته جحيماً وتركبه الهموم والأمراض...وأسومه عذاباً أليماً...حتی يفيق ويندم وهنا يُسمونني ضميراً...فأنا إذن لي دوري وموقفي سواءً كان في الخير أم في الشر...فأنا في الجسم عضو يؤدي وظيفة ، وقد يُخطئ أو يصيب ولقد خلقني الله لحكمةٍ لا يعلمها إلا هو...وليبتليكم بي ، ويفتنكم بين الضلال والهدی.
الكاتب:
وماذا يحدث لو عرفك صاحبك أو كُشفت له أو حدث ما أظهرك؟
العقل الباطن:
سيحدث في داخله خلط...وسترفض نفسه هذا...وهو نفسه سيرفض أن أُفتضح...وسينفي ويغضب ويحاول أن يغطيني بلحاف من الغضب ، حتی يمر الموقف وأظل بسلام في موقعي قابع في الظلم...فأنا جزء منه لا يقبل هو أنا أظهر مع أسراري أمام أحد...ولتعلم أكثر أنه هو نفسه وليس أنا الذي يُجبرني علی حياة الظلم ، ولذا لا يقبل أن أظهر خوفاً من فضيحة أو خجل من شيء لا يريد أن يعرفه أحد...وأحياناً يصل الأمر إنكار وجودي حتی يخفيني وكأنه طفل...ولذا فأنا في مأمن في معظم الأحيان...إلا إذا كان شخصاً صاحب إيمان لا يبالي بأحد ، إلا رب العالمين فهو مضطلع علی كل أحد ، فهذا الشخص لا يغضب إذا إنكشفت بل يفرح لما يعرف السبب ، ويتخلص من صراعي مع عقله ويحكم بيننا بما يرضی الله ويلتزم بحكم الله ويرضی بما قسم...ويعيش كما قلنا هانئاً مطمئناً بلا صراع ولا مرض ولا سئم.
الكاتب:
ولكن هل لك أن تُخبرنا لماذا أُطلق عليك تسمية الباطن؟
العقل الباطن:
لأنني غائر ومختفي عن الشعور والإدراك المباشر من الشخص نفسه...فلا هو يراني بإدراكه وتفكيره ، ولا يشعر بكياني الذاتي ووجوده... فأنا جزء من الإنسان ولكنه لا يدري ولا يعلم عني ولا يشعر ولا يحس بوجودي في معظم الأحيان...فأنا بعيد عن عينه الإدراكية وعينه الحسية...ولذا تجد كثيراً من الناس ينكر وجودي ولا يعترف بي.
الكاتب:
وكيف لا نشعر بك ولا نحسك ، وأنت صاحب السلطة الحقيقية كما تقول؟ وتؤثر علی جانب كبير من حياتنا؟!
العقل الباطن:
هل تشعر بوجود الغدد الصماء يا سيدي أو تحس بها؟ ومع ذلك فهذه الأعضاء تتحكم في الكثير من وظائف جسمك وحياتك وحتی أحياناً علی إحساسك وشعورك...وبالمثل أنا ، فلما كل هذا العجب؟ ألا تعلم بأن الله علی كل شئ قدير؟
الكاتب:
أحياناً نری إنساناً يوافق علی عملا ً أو رأياً أو شيئاً ، ويبدي إقتناعه به ورضاه عنه ، ثم وبعد سنوات وسنوات...نراه فجأة ينقلب عليه ويثور ضده وكأنه يوماً لم يوافق عليه...فهل أنت وراء ذلك؟ أو لك علاقة بهذا؟
العقل الباطن:
نعم...بلا شك...وهذا الإنقلاب الذي تراه يكون إما لإقتناع العقل الظاهري برأي وتبني موقفي أو لميل الإنسان نفسه نحوما أراه حتی لو لم يری عقله الظاهري ذلك أو لإنقهار العقل الظاهري وإنتصاري عليه أخيراً وخضوعه وتسلميه عن ضعف لما أوافق وأری...ولو تأملت هذا الإنسان الذي تحدثت عنه طوال السنوات التي كان فيها يوافق ويرضی...وتابعت إنفعالاته وتصرفاته بدقة للمحت فيها رفضي الخفي...ولو دققت ، ولمحت ، وكبرت وفسرت...لاتضح لك ما كان مختفياً...ولما فوجئت وتعجبت لتغير الموقف ، وحدوث الرفض والتمرد والثورة بعد سنوات من الرضا والقبول وعدم المعارضة.
الكاتب:
سؤال أخر...
العقل الباطن:
(مقاطعاً).....والأخير من فضلك...فلقد أطلت...وأنا لم أتعود ولا أحب الحديث المباشر...ولقد وعدتك بالصراحة...وليست تلائمني كما أخبرتك ، فأسرع فلا أستطيع أن أضمن لك من الصراحة والظهور أكثر...
الكاتب:
هل تسدي لنا خدمة أخيرة...فتقول لنا كيف أن نراك أو نعرفك أو نتحسس وجودك بعين الإدراك والبصيرة...ونعرف موقفك ونتعايش معك في النور بدلا ً من أن تظل فی الظلمة؟!
العقل الباطن:
أنا لا أريد ذلك...ولن يستطيع بل ولن يقبل ولن يرتاح معظم الناس لذلك...اللهم إلا مؤمناً صادق الإيمان...فنور الإيمان وحده يجعل العقل عقلا ً واحداً...والنفس نفساً واحدة ، والقلب قلباً واحداً...الظاهر مثل الباطن ، والباطن هو الظاهر ، ولا فرق ولا صراع ولا كما تقولون نفاق...
(وهنا بدأت أستار الظلمة تنزل وسُحباً كثيفة تَحجِب...وبدء الصوت يبعد والصورة تكاد تختفي ولكن إستطعت أن أسمعه يُكمل ويقول...)
ولكن إرجع إلی حديثي وأنت تفهم...فلو دققت ولمحت وكبّرت وفسّرت في الإنفعالات والكلمات ، والأفعال والتعبيرات والأحلام والرؤيات ، لرأيت موقفي واضحاً...وما أريده ناطقاً ، وما أرفضه بائناً ، وما أقبله وأحبه ظاهراً جلياً...هذه أثاري...ومن أثاري تعرف وجودي...تماماً ككل مستتر خفي...كالكهرباء والحرارة...لا تراها ولكن تری أثارها ، ولك عبرة في الله الخالق القوي ، لا تراه ولكن تری مظاهر قدرته...سبحانه وتعالی من خالق بارئ مصور...خلقني وما أنا بأعجب ما في إبن أدم ولا في الكون من عجائب ، أكرم به وأنعم مِن قادر مقتدر ومسبب........