يعد مسجد كتشاوة في قلب العاصمة الجزائرية القديمة من المساجد
التي تصارع الزمن رغم مرور قرون من تشييد هذا المعلم الإسلامي ، ليبقى أحد المعالم التاريخية الراسخة في الجزائر وأقدمها في الحي العتيق المعروف بالقصبة الذي يخفي بين بناياته المتشابكة صروحا عريقة قاومت الحروب والزلازل لقرون، وظلت شاهدا حيا على تعاقب الكثير من الحضارات عليه ، لا تزال بصماتها شاهدة للعيان حتى يومنا هذا.
ويذهب المؤرخون إلى أن المسجد نشأ في بدايته كمصلى بذات المكان الذي كان يقع بحواره ساحة يقام عليه سوق للماعز، تعرف في يومنا هذا بساحة الشهداء، ومنها تسلل اسم السوق (سوق الماعز) الذي يقابل باللغة التركية تحت لفظ كتشاوة، إلى المصلى فصار يعرف به منذ أن قام داي الجزائر في تلك الفترة حسن باشا بتوسيعه، غير أن هناك من ينفي ويرى في تسمية لفظ كتشاوة للدلالة زاوية تقع على بعد أربعين متر لأحد المشايخ اسمه سيدي كتشاوة، يقول الخبير بالتاريخ العثماني في منطقة شمال إفريقيا، محمد مدور .
في حين يذهب زين الدين العربي إلى أن تسمية كتشاوة التي تعني في اللغة التركية سوق الأغنام، إنما هي كلمة محرفة عن كلمة كالشاوة التي هي اسم للمكان الذي بني عليه المسجد.
بني مسجد كتشاوة في العام ، 1612 ميلادي الموافق لـ 1021 هـ ، أي في الفترة العثمانية، ليتم توسيعه في العام 1794 م ، الموافق لـ 1207 هـ عن طريق الداي حسن باشا، الذي اتخذ من مسجد السيدة الذي خربه الاستعمار الفرنسي بعد دخول في العام 1830 ، اتخذه كنموذج لتجديد وتوسيع كتشاوة
وخلال فترة الاحتلال الفرنسي تم تحويل المسجد إلى كاتدرائية تحمل اسم سانت فيليب، وصلى المسيحيون فيه أول صلاة نصرانية ليلة عيد الميلاد 24 ديسمبر 1832، وبعثت الملكة إميلي زوجة لويس فيليب هداياها الثمينة للكنيسة الجديدة، أما الملك فأرسل الستائر الفاخـرة، وبعث البابا غريغور السادس عشرة تماثيل للقديسين.
من مسجد إلى كنيسة وأزيد من أربعة آلاف قتيل احتج على التحويل
لقد قام الجنرال الدوق دو روفيغو القائد الأعلى للقوات الفرنسية الذي كان تحت إمرة قائد الحملة الفرنسية الاستعمارية دوبونياك بتحويل الجامع إلى إسطبل، بعد أن قتل فيه من المصلين ما يفوق أربعة آلاف مسلم كانوا قد اعتصموا فيه احتجاجا على قراره تحويله إلى كنيسة، كما إخراج جميع المصاحف الموجودة فيه إلى ساحة المجاورة وأحرقها عن آخرها، فكان منظرا أشبه بمنظر إحراق هولاكو للكتب في بغداد عندما اجتاحها.
وتم تحول الجامع إلى كاتدرائية لأكثر من قرن بالرغم مما جاء في وثيقة تسليم مدينة الجزائر من قبل حاكم الجزائر في ذلك الحين الداي حسين، والتي تشترط على وجوب احترام السلطات الفرنسية للديانة الإسلامية، وتتعهد بحماية ممتلكات السكان من السلب والنهب، وباستقلال الجزائر في سنة 1962 استرجعت السلطات الجزائرية الجامع وكان الخطيب في ذلك اليوم العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
لقد كان كتشاوة كما ظل مفخرة الجميع من الجزائريين بدون استثناء، الذين يحملون في أذهانهم حكايات واسعة عن مصلاه وزخرفته والأئمة الذي مروا على منبره، كما يشدد القاطنون بجواره على قيمة المعلم التي تمنح الهوية الإسلامية التي طالما سعى الاستعمار الفرنسي إلى طمسها.
ملامح أثرية جدران كتشاوة تؤكد قوة الانتماء للثقافة الاسلامية
والمشاهد لجامع كتشاوة ليكتشف تعاقب الآثار على التي رمت عليه من بنائه وإلى يومنا هذا، منها جملة من الكتابات الرائعة التي تمتد بتشكيلها إلى الامتداد الثقافي الإسلامي ، والتي تم فصلها في العام 1855 حيث تم نقلها إلى متحف بفرنسا ، واستبدلت بنقوش أخرى تعكس الواقع الثقافي الديني الفرنسي .
ومن جملة الزخارف والنقوش التي كانت مكتوبة آيات قرآنية ، التي أبدعاته يد الخطاط إبراهيم جاكرهي في العام أثناء إنشاء المسجد في العهد العثماني:
الشيخ الطاهر وأمانة تحفيظ كتاب الله على مدار أربعة عقود
لقد ظل مسجد كتشاوة ولا يزال بمثابة القلعة العلمية التي تمد الناس بما يمكن أن يبصرهم بتعاليم الدين الحنيف ، ولقد دأب رواده على قراءة الراتب ، وهو حزب من القرآن يقرأ قبيل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، بطريقة جماعية ، ناهيك عن تحفيظ القرآن الذي دأب الشيخ الطاهر أمام المسجد الذي لا يزال على غير الحياة على القيام به لصالح الكبار إلى واستمر حتى غاية إغلاقه في الفترة الأخيرة لأسباب الصيانة.
أما بالنسبة بشهر رمضان فقد دأب القائمون على المسجد على تنظيم ندوات كل جمعة بعد صلاة العصر يحضرها كبار المشايخ والعارفين بالطريق إلى الله من الجزائر ، حيث تضطلع بمناقشة ما يتعلق بضرورة معرفته من شؤون الدين، هذا بالإضافة إلى البرنامج السنوي لتحفيظ الصغار القرآن يوميا من العصر حتى إلى صلاة العشاء ، وقد أثمر هذا البرنامج على تخرج المئات من حفظة القرآن الكريم، هذا إضافة إلى تعليم النساء وتحفيظهن القرآن بإشراف الشيخ الطاهر الإمام، أو بإشراف مرشدة يزكيها الشيخ الطاهر.
كما يحظى مسجد كتشاوة، إضافة للجامع الكبير باستقبال العلماء الكبار الوافدين إلى الجزائر من مختلق ربوع العالم الإسلامي، حيث تقام دروس يحضرها الآلاف من المصلين.
جهود للترميم وخطوات استباقية لبقائه شامخا
أغلق كتشاوة في الفترة الأخيرة لأسباب تتعلق بالصيانة بعد نصيحة قدمها المهندسون المعماريون عاينوه فاكتشفوا أن الصومعة اليمنى قد مالت بـ30 سنتمر، مما يمكن أن يشكل خطرا على المصلين، ومن المنتظر أن تبدأ أعمال إصلاحها هذه الأيام، وإصلاح عدد من التشققات التي طالت القبب والتي أصبحت طريقا لتسرب مياه الأمطار، وذلك تحت إشراف وزارتي الثقافة ووزارة الشؤون الدينية.
هذا ورغم مرور الزمن لا يزال هذا المسجد يحافظ على تاريخه ويصارع تقلبات الزمن حيث يتواجد في الواجهة البحرية للعاصمة الجزائرية فالداخل إلى حي القصبة العتيقة يتراءى له من بعيد الجامع الذي يتوسط ساحة الشهداء التي أصبحت اليوم سوقا تجاريا مفتوحا على كل المنتوجات المحلية الصنع.
وبحسب المصادر فان العاصمة الجزائرية كانت تحوي 300 مسجدا ، قبل الاحتلال الفرنسي، ولم يبق منها سوى 13 مسجدا عريقا ذا طابع معماري عثماني كجامع بتشين الذي بني عام 1622 والجامع الجديد 1660 وجامع سيدي عبد الرحمن الثعالبي 1669 وجامع سفير، 1826 أي قبيل الاحتلال الفرنسي بأربع سنوات، وقد كان أغلب المساجد خلال الحقبة الاستعمارية قد حول إلى كنائس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق