ازرع تعليما قويا تحصد اقتصادا قويا،
كان التعليم دوما هو وقود التقدم، به استطاعت دول قوية بناء حضارة مشرقة واقتصادا متينا وإنسانا متزنا. لكن واقع تعليمنا اليوم يشير إلى العكس تماما، فبعد تقارير كثيرة صنفته في ذيل الترتيب اتضح جليا أنه تعليم مشوه ورث من الحقبة الاستعماري الكثير من العلل والأمراض. تعليم لا يصلح لبناء إنسان ولا وطن ولا أمة. تعليم أفضل إنجازاته متعلمون بمواصفات رمادية لا هم متعلمون ولا هم أميون. هل فشل تعليمنا لظروف موضوعية أم أريد له ذلك؟ أهو العوز المادي ونقص الإطار البشري أم هي الإرادة السياسية الغائبة أو المغيبة؟ كيف تنفق الأموال على بكل سخاء على التسلح العشوائي لجيوش عاجزة واهنة في الوقت الذي تخصص فيه للتعليم أهزل الميزانيات وأردئ التجهيزات؟ لماذا أصبحت مدارسنا وثانوياتنا وجامعاتنا تتسع لكل شيء إلا العلم والإيمان؟
لنا في تجارب الأمم الأخرى العبر، ولنا في التجربة الماليزية في التعليم خاصة أكبر الدروس. فقد نجحت ماليزيا فيما فشلت فيه دول إسلامية كثيرة: التوفيق بين التفوق العلمي والنهضة الاقتصادية وبين الحفاظ على الهوية الإسلامية. هذا ما جعل التجربة الماليزية في التعليم تجربة فريدة وجديرة بالدراسة والإقتداء والاستلهام لاعتبارات عديدة منها:
· كون ماليزيا دولة إسلامية في طريق النمو والتقدم دليل كافي أن الإسلام باعث مهم جدا للتغيير نحو الأفضل وليس تبني ثقافة الغرب من أجل اللحاق به.
· تشترك دولة ماليزيا الكثير من المعطيات مع دول لإسلامية كثيرة بينها المغرب من حيث الماضي الاستعماري، الهوية الإسلامية، النظام السياسي، عدد السكان…
التجربة الماليزية في التعليم غنية وهي أكبر من تتناولها هذه الورقة بالتحليل الشامل والدقة المطلوبة، حسبنا أن نتطرق إلى بعض ملامحها.
معطيات حول دولة ماليزيا:
العاصمة | كوالالمبور |
اللغة الرسمية | المالوية |
الدين الرسمي | الإسلام (مع وجود أقليات صينية وهندية) |
نظام الحكم | ملكية دستورية |
الاستقلال | عن المملكة المتحدة يوم 31 غشت 1957 |
المساحة | 329.847 كلم مربع |
عدد السكان | حوالي 28 مليونا |
كثافة السكان | 78 نسمة / كلم مربع |
العملة | رينغيت |
الناتج الداخلي الخام | 290.7 مليار دولار (المرتبة 33 عالميا) |
الناتج الداخلي للفرد | 11201 دولار (المرتبة 61 عالميا) |
الإمكانات الاقتصادية | ماليزيا دولة مستقرة سياسيا واقتصاديا، وهي من أكبر منتجي المطاط، النحاس، الأخشاب والفلفل. كما أنها متطورة في مجال المعلومات، التسويق الإلكتروني والتجارة الإلكترونية. ماليزيا كذلك من الدول المنتجة والمصدرة الأولى للأجهزة السمعية البصرية وأجهزة التبريد، السلع المكسوة بالمطاط والمواد الكيميائية. |
منذ استقلالها عام 1957، ركزت ماليزيا جهودها على ميدان التعليم باعتباره قطاعا محوريا ومحركا لكل القطاعات الأخرى. فعملت ماليزيا بجد وعزم تحت شعار: ازرع تعليما قويا تحصد اقتصادا قويا، فكانت النتيجة نظاما تعليميا فعالا واقتصادا تنافسيا. كل ذلك ما هو إلا انعكاس طبيعي لاستثمار الدولة في الإنسان ورصد اعتمادات مالية سخية لتطوير التعليم والبحث العلمي وفق أحدث المعايير العلمية والعالمية فكانت الحصيلة مشجعة جدا:
· استطاعت الدولة أن تخفض نسبة الأمية في البلاد من % 47 سنة 1970 إلى % 06 فقط سنة 2000، فما بالك الآن بعد عشر سنوات؟
· % 99 من الأطفال لم تفتهم فرصة التمدرس.
· % 90 من المدارس مرتبطة بشبكة الإنترنيت منذ 1999 وتم وضع خطة لإدخال حاسوب وانترنيت إلى كل فصل دراسي في إطار مشروع المدرسة الذكية.
تمكنت ماليزيا من بلورة فلسفة وطنية للتربية واضحة المعالم تؤطرها منظومة قيم إسلامية نابعة من إرادة سياسية قوية للنهوض والتقدم عبر بوابة التعليم. بشكل عام يهدف التعليم بماليزيا إلى:
· إعداد مواطن نشيط، منتج وقادر على مواجهة تحديات العصر.
· إعداد الفرد إعدادا شاملا متوازنا عقليا، روحيا، عاطفيا وجسديا.
· إعداد الفرد ليتحمل مسؤولية التنمية الوطنية وتحقيق رخاء الأسرة والمجتمع والوطن ككل.
و يتم تطوير المناهج التربوية باستمرار من طرف مركز تطوير المناهج بوزارة التربية بهدف بناء المواطن الماليزي بناء متوازنا روحه القيم الإسلامية والوطنية وكذلك إنتاج قوة عاملة مدربة وماهرة.
إدارة التعليم:
تعتمد الهيكلة الإدارية التعليمية في ماليزيا على أربعة مستويات:
1- المستوى الفيدرالي / المركزي:
تتحمل وزارة التربية مسؤولية السياسة التعليمية العامة وبلورتها في شكل خطط وبرامج ومشروعات تربوية في إطار الأهداف القومية للدولة.
2- مستوى الولاية:
توجد في ماليزيا 14 ولاية، في كل منها إدارة للتعليم يرأسها مسؤول مكلف بتنفيد البرامج التعليمية والمشاريع التربوية وكذلك السهر على إدارة المدارس بالولاية (الموظفون، المالية، تطوير المباني…) كما تتولى هذه الإدارة مهمة إعداد خطط لتطوير التعليم بالولاية وتزويد الوزارة بتغذية راجعة دائمة حول السير التربوي بالولاية.
3- المستوى المحلي / المقاطعة:
توجد في كل مقاطعة مكاتب محلية تشكل حلقة وصل بين المدرسة وبين الإدارة التعليمية على مستوى الولاية. هذه المكاتب تساعد على تطبيق البرامج والمشاريع التعليمية في المدارس.
4- المستوى الإجرائي / المدرسة:
يتولى إدارة شؤونها مهنيا وتربويا المدير بمساعدة شخص مساعد.
النظام التعليمي:
يتكون النظام التعليمي الماليزي من عدة مراحل:
1- التعليم الأولي / قبل المدرسي:
يوجد بماليزيا حوالي 6000 مركز لهذا النوع من التعليم الذي يلتحق به الأطفال من سن الثالثة حتى الخامسة. للتعليم الأولي برامجه الخاصة به ويهدف إلى إكساب الأطفال المهارات الأساسية التواصلية والاجتماعية لتحضيرهم للتعليم الابتدائي.
2- التعليم الابتدائي:
الهدف منه تكوين الأطفال يكوينا متينا في مهارات القراءة، الكتابة والحساب إضافة إلى غرس القيم ومهارات التفكير لديهم. يلتحق الأطفال بالتعليم الابتدائي في سن السادسة بعد التعليم الأولي مباشرة.
ينقسم التعليم الابتدائي إلى حلقتين:
· الحلقة الأولى: من الصف الأول إلى الثالث بغلاف زمني قدره 45 حصة من نصف ساعة أسبوعيا.
· الحلقة الثانية: من الصف الرابع إلى السادس بغلاف زمني قدره 48 حصة من نصف ساعة أسبوعيا.
كما يدرس التعليم الابتدائي في ثلاث صور مختلفة باختلاف لغة التدريس:
· المدارس الوطنية حيث لغة التدريس هي المالوية (اللغة الرسمية).
· المدارس على النموذج الوطني التي تدرس باللغة الصينية.
· المدارس على النموذج الوطني التي تدرس باللغة التاميلية.
مع العلم أن اللغة المالوية تدرس كمادة إلزامية في جميع هذه المدارس، في حين تدرس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية. كما وضعت الوزارة خطة شاملة لتدريس اللغة العربية ابتداء من الصف الأول ابتدائي.
3- التعليم الثانوي:
يتكون من مرحلتين:
أ- الثانوية الدنيا: تستغرق الدراسة بها ثلاث سنوات ويلتحق بها طلاب المدارس الابتدائية الوطنية فقط، ويحتاج طلاب المدارس الابتدائية الصينية و التاميلية إلى صف انتقالي لتأهيلهم أكثر في في اللغة المالوية الوطنية التي تعتمد كلغة تدريس في جميع المدارس الثانوية.
تدرس في المرحلة الثانوية مواد عديدة متنوعة: اللغة المالوية، اللغة الإنجليزية، الرياضيات، العلوم، التربية الفنية، الجغرافيا، اللغتين الصينية والتاميلية، الدين الإسلامي، التربية الأخلاقية، التربية البدنية والصحية، المهارات الحياتية التي تشمل: التجارة، الحرف اليدوية، المحاسبة، التربية الأسرية، الزراعة، الاقتصاد المنزلي، الاختراعات. تتوزع هذه المواد ما بين مواد إلزامية وأخري اختيارية.
بخصوص الحصص الدراسية في المرحلة الثانوية فتبلغ 45 حصة من 40 دقيقة في الأسبوع، وتبدأ المدارس عملها في الساعة 7:45 دقيقة صباحا وتعمل بطريقة الفترتين الصباحية والمسائية. أما العام الدراسي فيبدأ في الأسبوع الأول من شهر دجنبر حتى نهاية شهر أكتوبر من العام التالي.
ب- الثانوية العليا:
تستغرق هذه المرحلة سنتين ويتم توزيع الطلبة على ثلاثة مسارات حسب أدائهم في الامتحان:
· المسار الأكاديمي: يضم الآداب والعلوم ويتوج بشهادة التعليم الماليزية.
· المسار الفني: يوفر تعليما عاما مع التركيز على الأسس الفنية.
· المسار المهني: تأهيل الطلبة للحصول على شهادة التعليم المهني.
في ماليزيا، الهدف من التعليم المهني هو دعم القطاعين الصناعي والتجاري. هذا النوع من التعليم يقوم على منهج مرن لتلبية الحاجيات الإستراتيجية للاقتصاد الماليزي. لهذا الغرض بدأت الوزارة بتخصيص كل مدرسة مهنية بصناعة معينة حسب الموقع الجغرافي وقربها من المصنع لتمكين الطلبة من تعليم تطبيقي من خلال التدريب في موقع العمل. ساعد على ذلك الشراكة القوية بين الدولة والقطاع الخاص حيث تستفيد الشركات الخاصة من المدارس العمومية وتجهيزاتها وخبرة متدربيها علة أن تقدم هذه الشركات برامج للتدريب و احتضان الطلبة المتدربين.
4- التعليم قبل الجامعي / الصف السادس:
هدف هذه المرحلة التعليمية هو إعداد الطلبة الماليزيين للالتحاق بالجامعات الوطنية أو فروع الجامعات الأجنبية بالبلاد والمعاهد العليا. تستغرق هذه المرحلة من سنة إلى سنتين حسب التخصص فيتم تحضير الطلبة لتمكينهم من النجاح في الاختبارات التي تعقدها الجامعات كشرط لولوج الدراسة.
5- التعليم الجامعي:
يحظى بمكانة خاصة، وتتولى وزارة التعليم العالي إدارته. يضم التعليم العالي بماليزيا جامعات وطنية، فروع لجامعات أجنبية ومعاهد عليا. فيما يلي تريب بعض الجامعات الماليزية عالمية مقارنة مع بعض الجامعات المغربية حسب نشرة التايمز الصادرة العام الماضي:
أما البحث العلمي فلا يتبع لوزارة التعليم العالي، بل لوزارة العلوم والتكنولوجيا. بلغت النفقات على البحث العلمي حوالي 650 مليون دولار سنة 2002 رغبة من الدولة في إرساء أسس متينة للتنمية الاقتصادية يلعب فيها التعليم والبحث العلمي دورا محوريا. هكذا فإن % 68.6 من تلك النفقات تصرف على البحوث التطبيقية، و % 23 على البحوث التجريبية فيما الباقي (% 8.4) يصرف على البحوث الأساسية.
هناك قطاعات معينة تستفيد من قدر كبير من التمويل: علوم الهندسة، تكنولوجيا الإعلام والمعلومات، التكنولوجيا التطبيقية. بفضل الشراكة المتينة بين الدولة والقطاع الخاص وقوة هذا الأخير، فإن % 65.6 من نفقات التمويل على البحث العلمي تأتي من القطاع الخاص بينما تساهم الدولة بـ % 34.4 .
التمويل الذي يأتي من الدولة يقدر بحوالي % 18 من الميزانية القومية، على سبيل المثال بلغت نفقات الحكومة على التعليم سنة 2000 ثلاثة مليارات و 700 مليون دولار. كما قامت وزارة التربية بدراسة شاملة بالتعاون مع جامعة هارفارد حول المدارس الماليزية والطلاب والتجهيزات والمناهج لجمع المعلومات و تحليلها ومن ثم البناء عليها في وضع خطط وبرامج جديدة. وتتجه ماليزيا حاليا لتعميم مشروع المدرسة الذكية لاستخدام التقنيات الحديثة في جميع المدارس، كما يتم العمل على تحويل المكتبات المدرسية إلى مراكز للتعلم الإلكتروني اعتمادا على الحاسوب.
تكوين المدرسين:
يتم إعداد المدرسين قبل الخدمة في كليات متخصصة تسمى كليات إعداد المعلمين حيث توجد 13 منها في مختلف أنحاء البلاد منها كلية خاصة بتكوين مدرسي التربية الإسلامية وأخرى مخصصة لتكوين مدرسي التعليم المهني. تستغرق مدة التكوين في هذه الكليات سنة واحدة للخريجين الجامعيين للحصول على الدبلوم العالي، و سنة ونصف للطلبة للحصول على شهادة التدريس، ثم ثلاث سنوات للمتخصصين في التعليم المهني.
أهم المواد التي تدرس في هذه الكليات: علم النفس التربوي، طرائق التدريس، التعليم في ماليزيا، اللغة المالوية، اللغة الإنجليزية، تكنولوجيا التعليم، التربية الإسلامية والأخلاق، الحضارة الإسلامية، تاريخ ماليزيا إضافة إلى الجانب التطبيقي في المدارس. أثناء الخدمة، يخضع المدرسون لتكوين آخر كل خمس سنوات لتلبية المتطلبات الحديثة و تحيين كفاءة المدرسين. في هذا الصدد هناك مجلة تربوية شهرية يصدرها معهد أمين الدين باقي المخصص للقيادات التربوية، كما أن وزارة التربية الماليزية تصدر مجلة شهرية تضعها رهن إشارة المدرسين في المدارس. هذا إضافة إلى البرامج الإعلامية التي تعدها الوزارة بتعاون مع وزارة الإعلام وتعرض في التلفزيون بمعدل أربع مرات في الأسبوع بفضل توفر وزارة التربية على مركز إعلامي مجهز بمحطة تلفزيونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق