Wikipedia

نتائج البحث

النفس حيرى

3efrit blogger

الأربعاء، 15 يونيو 2011

ليبيا والاستعمار الايطالي

ليبيا والاستعمار الايطالي

اتجهت أنظار إيطاليا إلى احتلال ليبيا، بعدما احتلت فرنسا تونس والجزائر والمغرب، واحتلت إنجلترا مصر وقبرص.

وبدأت إيطاليا خطتها الاستعمارية بإرسال بعثة علمية أثرية إلى طرابلس سنة (1328هـ= 1910م) برئاسة الكونت "سفورزا" تحت ستار البحث عن معدن الفوسفات، وإجراء حفريات أثرية، ولكنها في الحقيقة كانت تقوم بمسح الأراضي الليبية، وعمل خرائط دقيقة لها تمهيدًا للعمليات العسكرية المرتقبة.

وقد فطن الليبيون إلى الأغراض الحقيقية للبعثة، وقد أدى ذلك إلى عقد أول مؤتمر وطني يجمع قادة البلاد؛ لبحث كيفية مواجهة الخطر الإيطالي، والتصدي لمطامع الإيطاليين في البلاد، وسعى المؤتمر إلى توعية الشعب الليبي بأهداف الإيطاليين الاستعمارية، وتحذيرهم من خطر أولئك المستعمرين، وتعبئة القوى الوطنية لمجابهة الغزو الإيطالي المرتقب.

ولكن الأوضاع العسكرية والسياسية في ليبيا لم تكن بالقدر الذي يمكنها من التصدي للإيطاليين أو حربهم، ولم تكن البلاد مستعدة للمقاومة؛ فهناك نقص شديد في العتاد والذخيرة، كما أدت الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد إلى هجرة كثير من أصحاب الكفاءات من ليبيا، وازداد الأمر سوءاً بعد أن سحبت الدولة العثمانية كثيرًا من موظفيها الأكفاء من ليبيا، وتجاهلت -في الوقت نفسه- مطالب الوطنيين من أهل ليبيا بالانخراط في سلك الجندية للدفاع عن البلاد.

الاستفزاز الإيطالي للدولة العثمانية


جنود المشاة الإيطاليون يستعدون لنزول الساحل الليبي

ولم تمضِ سوى شهور قليلة حتى بدأت إيطاليا التحرش بليبيا والدولة العثمانية، فأرسلت إنذارًا إلى "الأستانة" يحمل الكثير من الاستفزاز، وينطوي على قدر كبير من الأكاذيب والمغالطات، ويكشف عن حقيقة نوايا إيطاليا العدوانية، اتهمت فيه الدولة العثمانية بعداء الإيطاليين، واضطهادهم، والتضييق على نشاطهم في ليبيا، وأعلنت عدم جدوى السير في طريق المفاوضات لتسوية تلك المسألة، وقرَّرت احتلال البلاد احتلالاً عسكريًّا بزعم الحفاظ على مصالح إيطاليا، واستعادة هيبتها ومكانتها.

وبلغ الاستخفاف بالإيطاليين إلى الحد الذي طلبوا فيه من الدولة العثمانية مساعدتهم على احتلال ليبيا وعدم التعرض لهم، وحدَّدوا مهلة أربع وعشرين ساعة للرد على هذا الإنذار المستفز.

العدوان الإيطالي على ليبيا


صور لمجازر جماعية لأهل ليبيا

وبالرغم من تنصل الليبيين من تلك الاتهامات، ودعوتهم إلى التفاوض مع الحكومة الإيطالية، فإن ذلك لم يَثْنِ الإيطاليين عن المضي قدمًا في قرار الحرب بخطى سريعة، والإقدام على تنفيذ خطتهم العسكرية لاحتلال ليبيا.

وفي (6 من شوال 1329هـ= 29 من سبتمبر 1911م) وجهت الحكومة الإيطالية إنذارًا بالحرب إلى الدولة العثمانية. وفي اليوم التالي كان أسطولها قد وصل إلى قبالة السواحل الليبية أمام طرابلس؛ فحاصرها لمدة ثلاثة أيام، ثم قصفها بعنف حتى سقطت في يد الإيطاليين في صباح (11 من شوال 1329هـ= 4 من أكتوبر 1911م)، ودارت معركة بين المجاهدين -الذين غادروا طرابلس إلى بومليانة- وبين الإيطاليين -الذين صمموا على إجهاض المقاومة والقضاء على المجاهدين- وقد انتصر فيها الإيطاليون.

حركة الجهاد وظهور عمر المختار
 Egypt.Com - منتدي مصر

وإثر هذه المعركة تجمع المجاهدون من العرب والأتراك في "عين زادة"؛ للتصدي للإيطاليين، ولكن تفوق الإيطاليين الواضح في العدد والعتاد حسم المعركة لصالحهم مرة أخرى.

وفي الوقت نفسه هاجم الإيطاليون برقة من البحر، واستطاعوا احتلال حبرق في (24 من شوال 1329هـ= 17 من أكتوبر 1911م)، وتوجهوا إلى بنغازي، وقد تصدى لهم المجاهدون من الليبيين والأتراك بالإضافة إلى عدد كبير من الشخصيات العربية، وكان ذلك بداية ظهور المجاهد الكبير عمر المختار.

أثر العدوان في توحيد أبناء الأمة

ولكن الإيطاليين تمكنوا –قبل أن ينصرم شهر أكتوبر- من احتلال طرابلس وطبرق ودرنة وبنغازي والخمس، ثم ما لبثوا أن سيطروا على برقة.

وقد أدى هذا العدوان الإيطالي الغاشم على الشعب الليبي إلى توحيد صفوفه، وتجميع أبنائه تحت راية الجهاد، ومحو كل أسباب الخلاف والشقاق بينهم، فتوحدوا جميعًا لهدف واحد هو مقاومة الاستعمار، ولغاية واحدة هي تحرير البلاد.

كما أزال ذلك العدوان كل أثر للخلاف بين السيد أحمد الشريف السنوسي –الذي كان متمركزًا في واحة الكفرة- والعثمانيين.

وكان لنداءات السيد أحمد الشريف لليبيين والعرب لمقاومة المستعمر، ودعوته إلى الجهاد ضد المعتدي أكبر الأثر في تدفق جموع المجاهدين والمتطوعين على المعسكرات العثمانية لتعزيز قوات العثمانيين والمجاهدين العرب.

مذابح الإيطاليين في ليبيا
 Egypt.Com - منتدي مصر


وسعى الإيطاليون إلى استمالة الأهالي، فأصدر قائد الحملة الجنرال كارلو كانيفا منشورًا باللغة العربية، يعلن فيه أن إيطاليا إنما أرادت من احتلالها للبلاد أن تطرد منها الأتراك، حفاظًا على مصالح الليبيين، ويزعم أن إيطاليا تسعى إلى توفير الأمن والحماية والرعاية لهم ولأبنائهم!!

وبالغ الإيطاليون –في منشوراتهم- في التودد إلى الليبيين، ومخاطبتهم باسم الدين، والتأكيد على احترامهم الشرائع والتقاليد الدينية، ومحافظتهم على الحقوق والحريات الشخصية والمدنية، والتلويح بالآمال العريضة التي تعقدها إيطاليا لمستقبل ليبيا في ظل نهضتها، والنعيم الذي ينتظر الليبيين في كنف السيادة الإيطالية، إلى غير ذلك من وسائل الخداع والوعود الكاذبة.. ففي الوقت الذي كان قائد الحملة يصدر هذه التصريحات ويدبج تلك المنشورات التي تفيض بالود والتسامح، كان جنوده يرتكبون أبشع المذابح، ويقترفون أفظع الجرائم ضد أهالي البلاد من المواطنين العزل.

فقد أباد الإيطاليون أهل المنشية التي تقع شرقي مدينة طرابلس، ولم ينج من تلك المذبحة البشعة حتى الأطفال والنساء والشيوخ، وامتدت مجازر الإيطاليين إلى غيرها من البلدان، حتى قتلوا خلال ثلاثة أيام نحو سبعة آلاف مواطن، ونفوا نحو ألفين آخرين، وبلغت فظائعهم وجرائمهم مبلغًا كبيرًا، فقد هتكوا أعراض النساء، وأعدموا الكثيرين دون تحقيق أو محاكمة، وأسفرت إيطاليا عن وجهها الاستعماري القبيح وأطماعها الاستعمارية الدنيئة، وهي تبيد شعبًا أعزل هب ليدافع عن حريته.

جهاد الشعب الليبي

وفي (15 من ذي القعدة 1329هـ= 6 من نوفمبر 1911م) أعلنت إيطاليا بسط سيادتها على طرابلس وبرقة؛ فقابل الليبيون ذلك بمزيد من المعارك والثورات، وهاجموا استحكامات الإيطاليين في أنحاء متفرقة من البلاد، وقد تصدى لهم الإيطاليون بوحشية شديدة.

واتسمت تلك المرحلة من المقاومة الليبية بالهجمات الخاطفة السريعة، ولكن كفة الإيطاليين العسكرية كانت هي الراجحة على طول الخط؛ نظرًا لما يمتلكونه من أسلحة حديثة متطورة، وما يتميزون به من حشود عسكرية منظمة، بالإضافة إلى تحالف الدول الاستعمارية الكبرى مع الإيطاليين ضد الليبيين.

وبالرغم من إمكانات الإيطاليين العسكرية الضخمة، والتحالفات الغربية المريبة ضد الشعب العربي الليبي، فلم يكن الغزو الإيطالي لليبيا عملية سهلة بالنسبة للإيطاليين، فقد قاومهم الشعب الليبي بكل فئاته، وأرقت هجمات المجاهدين الخاطفة مضاجع المستعمرين.

وانطلقت دعوة الجهاد من شتى أرجاء العالم العربي والإسلامي، وتوافدت جموع المتطوعين إلى ليبيا لمشاركة الشعب الليبي في جهاده ضد المستعمر الإيطالي.

المفاوضات بين السنوسي والإيطاليين

واستمرت حركة المقاومة حتى نشوب الحرب العالمية الأولى سنة (1332هـ=1914م)، ودخلت إيطاليا الحرب إلى جانب الحلفاء، بينما كانت تركيا حليفًا لألمانيا، ومن ثم فقد جاهرت تركيا بمساندتها وتأييدها لليبيين بقيادة السيد أحمد السنوسي، ومناصرتهم في حربهم ضد عدوهم المشترك.

ولكن ما لبثت العلاقات أن تعقدت بين السنوسي والأتراك الذين نجحوا في الوقيعة بينه وبين الإنجليز فأغلقوا بدورهم طريق مصر في ووجه، وازداد الأمر حرجًا مع سوء الأحوال الاقتصادية وحدوث المجاعة التي أودت بحياة المئات نتيجة انتشار الأمراض، وتفشي وباء الطاعون، الأمر الذي اضطر السنوسي إلى التفاوض مع القوتين المتحالفتين: إنجلترا وإيطاليا في (24 من جمادى الآخرة 1335هـ= 16 من إبريل 1917م).

وقد أسفرت تلك المفاوضات عن اتفاق "عكرمة" الذي حدد مناطق نفوذ لكل من السنوسيين والإيطاليين، كما نص على إيقاف الحرب، وأتاح حرية التنقل بين كلتا المنطقتين.

اعتراف الإيطاليين بحكم السنوسي

وتم عقد اتفاق آخر –بعد ذلك- عرف باتفاق "الرجمة" في (12 من صفر 1339هـ=25 من أكتوبر 1920م)، تم بموجبه الاعتراف بالسنوسي حاكمًا مدنيًا وزعيمًا للقسم الداخلي من برقة، ومنح لقب أمير، وأصبحت تلك المنطقة تخضع لنظام حكم وراثي ينحصر في السنوسي وأولاده من بعده.

ولكن ذلك كله لم ينه الصراع بين الليبيين والإيطاليين، فلم تتوقف حركة المقاومة، ولم يستسلم الشعب الليبي للاستعمار، واستمرت جذوة الجهاد مشتعلة ضد الإيطاليين.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى التي انتهت سنة (1337هـ=1918م) والتي خرجت إيطاليا منها منهكة، رأت إيطاليا مهادنة الليبيين، وتم عقد اتفاق "سوني" بين الطرفين، اعترفت إيطاليا بموجبه بقيام الجمهورية، ونص على إنهاء حالة القتال بينهما، مع الاعتراف بالاستقلال الداخلي لطرابلس تحت سيادة ملك إيطاليا، وإنشاء مجلس نواب محلي، ومجلس آخر حكومي يشتركان في حكم البلاد.

إلا أنه لم يقدر لتلك الجمهورية الوليدة أن تدوم طويلاً، إذ لم تكن إيطاليا جادة في اعترافها بها، وإنما كانت تسعى من وراء ذلك إلى مهادنة الليبيين وكسب مزيد من الوقت نتيجة الضعف الذي ألمّ بها.

الجهاد طريق الاستقلال

وقد سجل الليبيون بطولات نادرة وأمجادا خالدة في التصدي للاستعمار، واستطاع المجاهدون من أبناء البلاد، وعلى رأسهم المجاهد الكبير عمر المختار، أن ينزلوا بالإيطاليين العديد من الضربات الموجعة، ويلحقوا بهم الخسائر الفادحة، كما استطاعوا أن يلفتوا أنظار العالم إلى قضيتهم، وسعت إيطاليا بكل قوتها وجبروتها إلى تصفية عمر المختار ورفاقه، حتى نجحت في أسره في (28 من ربيع الآخر 1350هـ=11 من سبتمبر 1931م) بعد أن أصيب فرسه، وسقط هو على الأرض جريحًا، وبعد محاكمة صورية سريعة لم تدم أكثر من ساعة، صدر الحكم بإعدامه، وتم تنفيذ الحكم في صباح (4 من جمادى الأولى 1350هـ=16 من سبتمبر 1931م) أمام جمهور غفير من أبناء البلاد، سيقوا قسرًا ليشاهدوا عملية إعدام شيخ المجاهدين الذي كان عمره قد تجاوز الثمانين.

ولكن جذوة الجهاد لم تنطفئ، واستمر الشعب الليبي في جهاده ضد الاستعمار إلى نهايات الحرب العالمية الثانية (1358هـ=1939م إلى 1364هـ=1945م) قدم خلالها الليبيون تضحيات عظيمة في سبيل وطنهم، حتى تم خروج آخر جندي إيطالي من ليبيا في (19 من المحرم 1362هـ=25 من يناير 1943م).

ليست هناك تعليقات: